عزوى بويز: من المدرجات إلى الشارع.. مجموعة تصنع وعياً وتتفاعل مع قضايا أيْت إيعزة
متابعة/ الفار
في قلب مدينة أيت ايعزة، التابعة لإقليم تارودانت بجهة سوس ماسة، ينبض شغف خاص بكرة القدم، يتجسد في الدعم اللامشروط لفريق شباب أيت ايعزة، الممارس بقسم الهواة بعصبة سوس. لكن خلف هذا الشغف، تبرز ظاهرة لافتة يقودها شباب المدينة، ممثلين في فصيل “ألتراس عزوى بويز 2014”. هذه المجموعة، التي احتفلت مؤخراً بمرور أحد عشر عاماً على تأسيسها، لم تعد مجرد فصيل مشجع يقتصر دوره على الهتاف في المدرجات، بل تحولت إلى صوت نقدي واعٍ، يحمل هموم المدينة، ويعبر عنها بأساليب إبداعية، فارضاً نفسه كفاعل أساسي ومعادلة صعبة في المشهد المحلي.
عقلية نقدية واعية ورصد نبض الشارع
ما يميز “عزوى بويز” هو وعيهم العميق بأن دورهم يتجاوز حدود المستطيل الأخضر. كما جاء في أحد بياناتهم، فإنهم يؤمنون بأن “دور المجموعة لا يقتصر فقط حول تشجيع الفريق ومناصرته، بل يتعدى ذلك، للدفاع عن القضايا التي تمس مدينتنا، وإيصال صوت المواطن العزاوي للجهات المسؤولة”. هذا الالتزام يترجم فعلياً من خلال رصدهم الدقيق لمشاكل المدينة وانتقادهم البناء لها.

لم تتردد المجموعة في تسليط الضوء على قضايا تؤرق الساكنة، مثل انتشار الكلاب الضالة التي تهدد سلامة المواطنين، والروائح الكريهة المنبعثة من مطرح النفايات، والضباب الخانق الناتج عن حرقه، بل وصل نقدهم إلى ظاهرة مقلقة تتمثل في “تفريغ العديد من المختلين عقليا في المدينة”، ليتساءلوا بمرارة وسخرية، مستخدمين المثل الشعبي “ما قدو فيل زادو فيلة”، “هل فعلا أضحت آيت إيعزة مصحة للأمراض العقلية؟”. هذا النقد المباشر، الصادر عن شباب يعيشون واقع المدينة، يعكس حساً نقدياً عالياً وقدرة على تشخيص مكامن الخلل.
الإبداع كأداة للتعبير والاحتجاج
لا تكتفي “عزوى بويز” بالتشخيص والنقد الشفهي أو المكتوب عبر بياناتها على صفحتها الرسمية، بل تتخذ من الإبداع، وخاصة اللافتات والجداريات، وسيلة قوية لإيصال رسائلها. اللافتة التي رفعت أمس بالشارع الرئيسي للمدينة وحملت عبارة “أيت ايعزة خاصها مشاريع ماشي مصحة المجانين فالشارع”، تعتبر مثالاً ساطعاً على هذا النهج. فهي لم تكتفِ بانتقاد ظاهرة المختلين عقلياً، بل ربطتها بذكاء بالحاجة الماسة للمزيد من المشاريع التنموية الحقيقية التي ستعود بالنفع على شباب المدينة، هذه الرسائل، التي قد تبدو مشفرة للبعض، هي في الواقع تعبير مكثف وذكي عن مطالب عميقة.
إلى جانب اللافتات، تعتمد المجموعة على البيانات المنظمة، والهاشتاغات الموحدة مثل “#عزاوى_بويز14” و “#GAZA_جرحنا_الغائر” (الذي يعكس أيضاً التزامهم بقضايا أوسع كالقضية الفلسطينية)، مما يظهر تنوعاً في أدوات التعبير وقدرة على حشد الدعم والتفاعل.

تأثير المجموعة بدأ يتجاوز المدرجات
إن هذا المزيج من الوعي النقدي، والالتزام بقضايا المجتمع، والأساليب الإبداعية في التعبير، جعل من “عزوى بويز” قوة مؤثرة في الساحة المحلية بأيت ايعزة. لم يعد بالإمكان النظر إليهم كمجرد “مراهقين” يشجعون فريقهم، بل كشباب يحملون “عقليات كبيرة”، قادرين على خلق دينامية وتشكيل ضغط حقيقي على المسؤولين.
مطالبتهم الصريحة للسلطات والمجتمع المدني بالتحرك لحل المشاكل، ودعوتهم لعدم الاستهتار بصحة وسلامة الساكنة، تضع المسؤولين أمام مسؤولياتهم بشكل مباشر. إن تجاهل هذه الأصوات الشبابية، التي تجد صداها في المدرجات وعلى منصات التواصل الاجتماعي، لم يعد خياراً سهلاً. فالمجموعة، باستمراريتها (11 عاماً) وتماسكها أثبتت أنها ليست ظاهرة عابرة، بل كيان منظم له امتداد وتأثير.
نضج ومسؤولية في مواجهة التحديات
يزداد هذا التأثير قوة حين نرى المجموعة تتخذ مواقف تتسم بالنضج والمسؤولية. فالبيان الاستنكاري المشترك الذي أصدرته مع فصيل “ألتراس جولدن بويز” المساند لفريق أولمبيك تارودانت، لنبذ العنف وتفنيد الشائعات التي حاولت ربطهما بأحداث شغب، يعكس وعياً بأهمية الحفاظ على السلم الاجتماعي ونبذ الفتن. تأكيدهم على أن “الهدف الأسمى هو مساندة الفريقين ولا شيء غيره”، وشجبهم للأفعال التي تهدد سلامة المواطنين، يضعهم في موقع أخلاقي قوي ويعزز من صورتهم كفاعل إيجابي في المجتمع، وليس مجرد مجموعة مشاغبة.
صوت الشباب الذي يجب أن يُسمع
إن تجربة “ألتراس عزوى بويز” في أيت ايعزة تقدم نموذجاً لافتاً لكيف يمكن لمجموعات الشباب، المنبثقة من شغف مشترك ككرة القدم، أن تتطور لتصبح صوتاً نقدياً مؤثراً، ومدافعاً عن قضايا مجتمعها. بعقليتهم الواعية، وأساليبهم الإبداعية، ومواقفهم المسؤولة، يثبت هؤلاء الشباب أنهم ليسوا مجرد أرقام في المدرجات، بل هم طاقة حية، تحمل رؤية لمستقبل مدينتهم، وتطالب بحقها في التنمية والعيش الكريم.
لقد أثبتت “عزوى بويز” أنها قوة لا يمكن تجاهلها في أيت ايعزة. رسائلهم، سواء كانت مباشرة أو مشفرة، تصل وتترك أثرها. ويبقى التحدي الأكبر أمام المسؤولين المحليين هو كيفية التعامل مع هذا الصوت الشبابي النابض بالحياة والنقد والذي قد يكون الإنصات إليه، وفتح قنوات حوار جاد معه، هو السبيل الأمثل للاستفادة من طاقته الإيجابية، ومعالجة المشاكل التي يطرحها، وبناء مستقبل أفضل لمدينة أيت ايعزة، مستقبل يستجيب لتطلعات شبابها الواعي والمبدع.

