فوزي لقجع.. رجل الدولة الذي جعل من الكرة المغربية قصة نجاح عالمية
الفار/ حميد الدوبلالي
في زاوية من المشهد الرياضي المغربي، يبرز اسم فوزي لقجع كأحد رجالات الدولة الذين أعادوا تعريف مفهوم “النجاح” في مجالٍ لم يكن يُؤخذ على محمل الجد سوى من جمهور عاشق ومتعطّش. لكنه، بخطى ثابتة ورؤية استراتيجية، نجح في أن يجعل من كرة القدم المغربية مشروعًا وطنيًا ذا أبعاد قارية ودولية.
رجل لا ينام.. بين الحكومة والملاعب
رغم أن لقجع يحمل على كتفيه حقيبة وزارية داخل حكومة عزيز أخنوش، فإنه يواصل بنفس الوتيرة الإشراف على تدبير شؤون الكرة المغربية كرئيس للجامعة الملكية المغربية لكرة القدم. لا تفصله المسافات ولا الاجتماعات الوزارية عن تفاصيل صغيرة في برنامج تدريبي أو ملعب يحتاج إصلاحًا. يُعرف عنه أنه يعمل *ليل نهار*، يسهر على كل صغيرة وكبيرة، ويلاحق الملفات من الرباط إلى مقر الاتحاد الإفريقي في القاهرة، ومن هناك إلى زيوريخ، حيث مقر الاتحاد الدولي “فيفا”، بصفته عضوًا في مكتبه التنفيذي.
لقجع ليس مجرّد إداري ناجح، بل هو *رجل مشروع*. مشروع كرة قدم مغربية ترتقي للعالمية، وتُبنى على أسس متينة من البنيات التحتية، الحوكمة، والتكوين.
الرؤية: بناء من الأساس لا من القمة
منذ توليه رئاسة الجامعة عام 2014، اشتغل لقجع على عدة جبهات: تحديث البنيات التحتية، إصلاح المؤسسات الرياضية، تطوير الكفاءات الوطنية، وتحقيق إشعاع كروي دولي للمغرب.
وما بين صرامته في الإدارة، وهدوئه الظاهري في الميدان، تحوّل إلى مهندس فعلي لمشروع رياضي متكامل. كان يعلم أن لا نهضة بدون أسس صلبة، فبدأ من القاعدة: الملاعب، التكوين، الحوكمة.
بنية تحتية تضاهي أوروبا
لن ينسى التاريخ الرياضي المغربي أن مركب محمد السادس لكرة القدم، الذي افتُتح في المعمورة، جاء ليضع المغرب في مصاف الدول الكروية الكبرى. يمتد على مساحة 29.3 هكتار، ويُصنّف ضمن أفضل خمسة مراكز تدريب في العالم.
ولم يقتصر الأمر على هذا المركب. فالمغرب، تحت إشراف لقجع، استثمر في ملاعب ضخمة بمراكش، فاس، أكادير، طنجة، وغيرها. كما تم إطلاق مشروع بناء “الملعب الكبير للدار البيضاء”، بطاقة استيعابية ضخمة، ليكون رمزًا للجيل الجديد من البنيات الكروية بالمملكة، ومرشحًا لاحتضان مباريات كأس العالم 2030.
التكوين.. صناعة اللاعب وليس فقط اكتشافه
إدراكًا منه أن اللاعب لا يُخلق بل يُكوَّن، أطلق لقجع ورشًا وطنيًا لتكوين اللاعبين، الأطر التقنية، والحكام. تم إنشاء مراكز تكوين جهوية، دعم أكاديمية محمد السادس التي بدأت تُنتج أسماء لامعة مثل يوسف النصيري، وتمّت مأسسة العلاقة بين الأندية والجامعة، عبر تشجيعها على التحول إلى شركات رياضية، تعزز الشفافية وتحسّن الأداء الإداري.
من المجد الرياضي إلى الإنجاز السياسي
قد تكون لحظة تأهل المنتخب المغربي إلى نصف نهائي كأس العالم 2022 بقطر أبرز مشهد جماهيري، لكنها كانت بالنسبة لفوزي لقجع مجرد ثمرة عمل طويل. هو لا يفرح فقط بالنتيجة، بل بطريقة الوصول إليها.
في عهده:
_ توجت معظم المنتخبات السنية بكأس إفريقيا
_حصل المنتخب الوطني المغربي الأولمبي على برونزية باريس كأول منتخب عربي
_تُوّج منتخب أقل من 23 سنة بكأس إفريقيا.
_ أبهرت كرة القدم داخل القاعة القارة الإفريقية بثلاث ألقاب متتالية.
* حققت المنتخبات النسوية إنجازات غير مسبوقة، بتأهلها إلى كأس العالم لجميع الفئات.
كل هذه النجاحات لم تكن صدفة، بل نتيجة عمل ممنهج، وإدارة تشتغل بلغة التخطيط، لا الارتجال.
2030: التحدي الأكبر
ربما يكون تنظيم كأس العالم 2030، الذي سيتقاسمه المغرب مع إسبانيا والبرتغال، هو *الرهان الأضخم* في مسيرة فوزي لقجع. لكن الرجل اعتاد الرهانات الكبرى، ويعرف أن العالم سيحكم على المغرب من خلال هذه التظاهرة.
فهو يرأس لجنة تنظيم المونديال، ويقود مفاوضات وتجهيزات تتعلق باللوجستيك، الملاعب، البنية التحتية، وحتى الجوانب الأمنية والتنظيمية، وهو ما يتطلب تنسيقًا دقيقًا بين الدولة، الجامعة، والشركاء الدوليين.
شخصية حازمة.. لكن بُعيدة عن الأضواء
ورغم كل هذا الحضور، يبقى لقجع شخصًا *بعيدًا عن الأضواء الإعلامية*، لا يُكثر من التصريحات، ولا يُلاحق الكاميرات. لكنّه حاضر في القرارات، في الكواليس، وفي النتائج. يُعرف عنه حزمه في التسيير، وحرصه على مهنية عالية في كل مراحل التنفيذ.
خلاصة: صانع المجد، لا المتفرج عليه
فوزي لقجع ليس فقط رجل كرة قدم، بل رجل دولة بمفهومه الأوسع. يشتغل بالعقلية المؤسساتية نفسها سواء داخل الحكومة أو في قلب الجامعة. لم يأتِ ليُراكم الألقاب، بل ليبني مؤسسات تُنتج النجاح لسنوات قادمة.
وإن كان المغرب اليوم من بين القوى الكروية الصاعدة على مستوى العالم، فذلك ليس فقط بفضل اللاعبين والمدربين، بل أيضًا بفضل رجل خطط، نظّم، واستثمر.. اسمه: فوزي لقجع.